توفيق المدني، مصالي الحاج، أحمد بن بلة، فرحات عباس والسعيد الزاهري: جواسيس وعملاء الاستعمار؟
لا تزال الدفاتر السوداء لتاريخ الجزائر المعاصر مدفونة في مقابر فرنسا، لأن الحكم الاستبدادي، المسلط على الجزائريين منذ 1962 إلى اليوم، لا يريد استرجاع الأرشيف الخاص بهذا التاريخ الأسود لمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة.
و نستدل بشهادة شاهد من أهلها، وهو الجنرال الفرنسي هنري جاكين الذي نشر كتابا بباريس سنة 1977 تحت عنوان ''الحرب السرية في الجزائر''، '''Algérie la guerre secrète en'، يكشف فيها عن جواسيس فرنسا في المنظمات الجزائرية أثناء الاستعمار، ويذكر بالأسماء كلا من توفيق المدني من جمعية العلماء المسلمين الذي كان عميل الحاكم العام، وأحمد بن بلة الذي كان مخبرا سابقا للأمن العسكري الفرنسي، وفرحات عباس الذي كان لمدة طويلة مراسلا محترما لشرطة الاستعلامات العامة ومصالي الحاج الذي أصبح منذ 1945 تحت الاسم المستعار ''ليون'' (Léon)، مخبرا ثمينا للشرطة الفرنسية. وهذا الاسم مشهور في تاريخ الاستعمار، حيث أنه سجل أن جاسوس فرنسا الذي كان في خدمة الأمير عبد القادر كان يسمى ليون روش- Léon Roche . ويكتب مصالي الحاج في مذكراته، أن هذا الجاسوس ألف كتابا سنة 1884 تحت عنوان ''ثلاثون سنة داخل الإسلام''(Trente ans à travers l'Islam)، يقص فيه أن هدفه الوحيد كان يتمثل في الحصول على فتوى من القادة الدينيين لوقف القتال ضد الاستعمار. وتحصل على تلك الفتوى مقابل دفعه نقودا من الذهب إلى قادة الزوايا أو الطرقية الذين خانوا أمتهم ودينهم مقابل الرشوة المالية وتحريف الدين الإسلامي وتحالفهم مع المستعمر ضد أمتهم. وسأعود للموضوع في الفقرة الخاصة بالزوايا والطرقية التي كافحها الفكر الإصلاحي الجزائري الممثل بابن باديس والإبراهيمي.
وجاءت شهادة حسين آيت أحمد، في كتابه ''ذكريات مكافح''، الخاصة بالشيخ الزاهري، الذي نصبه مصالي الحاج مدير أسبوعية ''المغرب العربي'' لسان حزب الشعب لتدلنا أن الشيخ الزاهري كان جاسوسا للمخابرات الفرنسية تم اكتشاف حقيقته من طرف جبهة التحرير التاريخية، وتم إعدامه قي بداية حرب التحرير كما جاءت في كتاب محمد حربي ''جبهة التحرير الوطني: سراب وحقيقة''.
وكشف الإبراهيمي حقيقته سنة 1948 وندد به في نص نشره في العدد 66 لسنة 1948من ''البصائر'' تحت عنوان ''إلى الزاهري''، يصفه كالتالي: ''كتبت - يا شيخ - كثيرا من الباطل... اختصاصك في السب والكذب والبهت وتستغل أنت - إلى حين - جندهم المسخر لبيع ''المغرب العربي'' (وما أكثر باعة المغرب العربي فيهم)، ولعلك أعجبك منهم أنهم قوم محظوظون في الزعامة.. فتحالفتم مع الاستعمار على حرب جمعية العلماء....''. ويعني بالزعامة ''مصالي الحاج'' الذي انتقده دون ذكر اسمه، لكن بصفته، حيث كان يلقب ''بالزعيم'' تارة و''بالسيد الحاج'' تارة أخرى، في نص نشره في العدد 2 من البصائر لسنة .1947 وجاء فيه ما يلي: ''ورجال السياسة من قومنا يريدونها متبوأ لزعامتهم المزعومة، وسيادتهم الموهومة، فيعللونها بالأباطيل، ويروضونها على التصفيق والتهليل، ويسوسونها بطرقية سياسية، لا تختلف عن تلك الطرقية الدينية - التي حاربنها حتى قتلناها - في الكثير ولا القليل''.
وكما عرف به آيت أحمد، فـإن الشيخ الزاهري درس في الزيتونة بتونس وبالأزهر في القاهرة، تخصص في الجوسسة على المسلمين والعمالة للعدو.
وقبل مواصلة الدراسة، افتح قوسا لأذكر أن مصالي الحاج من أتباع الطرقية الدرقوية، كما جاء ذلك في مـذكراته، كما أن أحمد بن بلة من أتباع الطرقية المكحلية، كما صرح به للصحافي اللبناني ''محمد خليفة''، وأن الشيخ الطريقة العلوية حاول اغتيال عبد الحميد بن باديس، والطريقة العلوية، كما يصفها حسين آيت أحمد هي فرع من الطريقة الدرقوية، ويؤكدها مصالي الحاج في مذكراته. وسأرجع للموضوع مرة أخرى.
وبهذه الشهادة، يتبين أن الاستعمار حكم الجزائريين بالجواسيس والعملاء، لأنني لم أعثر بعد على تكذيب واحد صادر من هؤلاء الأربعة المتهمين من طرف ضابط فرنسي بالعمالة للاستعمار، رغم أنهم كانوا مسؤولين على منظمات جزائرية معادية له.
ووصف الإبراهيمي عمل هؤلاء، الذين يتسترون وراء الإسلام، وتنظيماتهم المعروفة في التاريخ تحت اسم ''الزوايا'' بالاستعمار الروحي الذي تحالف مع الاستعمار المادي، حيث أن الأول داخلي والثاني خارجي. ويشهد التاريخ أن الجزائر تحررت من الاستعمار المادي الخارجي، لكنها لم تتحرر من الاستعمار الروحي الداخلي. وسأرجع للموضوع في فقرة أخرى. وبعد الاستقلال، تمكن هؤلاء الجواسيس من الاستيلاء على السلطة، حيث أصبح بن بلة رئيسا لأول حكومة جزائرية وأول رئيس للجمهورية، وفرحات عباس أول رئيس لأول برلمان وهو من كلف بن بلة بالسلطة التنفيذية والجريدة الرسمية شاهدة على ذلك، كما أن توفيق المدني أصبح وزيرا للحبوس بعد تعيينه من طرف بن بلة في أول حكومة له. هل أدمج توفيق المدني جواسيس الاستعمار من رجال الدين الذين ندد بهم الإبراهيمي في وزارته، وأصبحوا موظفين من جديد في خدمة سلطة الاستبداد؟ حمزة بوبكر، عميد مسجد باريس، عميل الاستعمار
إن حمزة بوبكر، عميد مسجد باريس لمدة طويلة، بعد الاستقلال، وهو أب دليل بوبكر، عميد مسجد باريس حاليا، كان عميلا للاستعمار، كما تشهد على ذلك جريدة ''المجاهد'' أثناء حرب التحرير، في عددها رقم 89 المؤرخ في 16 جانفي ,1962 حيث تقص بالتفاصيل تحركات حمزة بوبكر لفصل الصحراء عن الجزائر، في إطار مشروع الجنرال ديغول لإنشاء ''جمهورية الصحراء''. ويشهد التاريخ أن جبهة التحرير التاريخية أجهضت المشروع، وكانت الولاية السادسة التاريخية بقيادة المرحوم محمد شعباني هي صاحبة الفخر، حيث أن الصلة الوثيقة مع سكان الجنوب، وخاصة منهم سكان بني مزاب، أفشلت المشروع. ومن بين الرجال الذين ساهموا في إفشاله، المرحوم الشيخ إبراهيم بيوض، أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين مع ابن باديس.
وما جاء في ''المجاهد'' من شهادة، أكدها الشيخ بيوض بن عمر في كاتب له نشر في سنة 1990 عن ''دار الزيتونة للإعلام والنشر''. وكان جزاء الشيخ بيوض الانتقام منه في الاستقلال وليس التكريم. وليومنا هذا لم أسمع أن جمعية ما نظمت ندوة فكرية حول أعمال الشيخ بيوض في العمل الإصلاحي والعمل الثوري.
وانتقم بن بلة من شعباني وحاكمه وأعدمه أيضا كما تم الانتقام من الشيخ بيوض، وبرر ذلك أن شعباني كان في علاقات ومباحثات مع فرنسا لفصل الصحراء عن الجزائر، أي أن شعباني أراد أن يكون عميلا لفرنسا في مشروعها القديم بفصل الصحراء على الجزائر. وشاهد على أقوال بن بلة صديقه الصحافي المصري، لطفي الخوري، الذي طرح السؤال على بومدين، وأكد له أن بن بلة هو من قال له ذلك أثناء وجوده في القاهرة سنة 1964 لحضور مؤتمر القمة الإفريقي. وجاءت هذه الشهادة في كتاب حوار مع بومدين صفحة (81-82 ).
وليومنا هذا لم يكشف بن بلة عن الوثائق أو المستندات التي تثبت اتهاماته لشعباني، والأرجح أن شعباني عارض مواصلة فرنسا لتجاربها النووية في الصحراء، وكان جزاؤه الموت كما كان الموت جزاء محمد خميستي، أول وزير للخارجية، عندما أراد التنديد بمواصلة فرنسا لتجاربها النووية في الصحراء. والتاريخ المقبور سوف يكشف الكثير عندما تخرج الوثائق من قبرها.
وقد مات الشيخ البشير الابراهيمي تحت الاقامة الجبرية من طرف السلطة الوطنية سنة 1965 . وسوف يحكم الشعب الجزائري حكمه النهائي على كل من لا يشهد بالحقيقة، كل الحقيقة.