الشيخ محمد الصالح حمر العين : مسيرة عطاء في سبيل الله : .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد
الشيخ محمد الصالح حمر العين
مسيرة عطاء في سبيل الله :
المعلم :
عرفته معلما بالتعليم الابتدائي ، سنوات الستينيات من القرن الماضي ، في لقاء عابر رفقة الشيخ
السعيد ضيافات _ أطال الله في عمره _ ومجموعة من الرعيل الأول من معلمي اللغة العربية ،
في تجمع للمعلمين لا أذكر هل كان ندوة تربوية أو امتحانا من الامتحانات المهنية التي كانت يومئذ
الشغل الشاغل للمعلمين والمعلمات . ومضت الأيام بل السنوات بعد ذلك دون أن ألج عالم الشيخ
محمد الصالح حمر العين الضليع في علوم اللغة العربية والفقه المالكي بالخصوص .
في مديرية التربية :
في بداية سنوات الثمانينيات من القرن العشرين على ما أذكر ، تم انتداب الشيخ بن حمر العين
إلى مديرية التربية والتعليم بولاية سطيف ليقوم رفقة الشيخ القريشي مدني _ رحمه الله _
بإعداد ومراجعة مواضيع المجلة التي تصدرها المديرية وهي مجلة تربوية تعليمية تثقيفية ،
كانت في جانب منها تحاول أن تجيب على التساؤلات التي يطرحها الشباب في ذلك الوقت
كالشبهات التي تثار حول الاختلاط بين الجنسين في الثانويات والجامعات والحدود في الإسلام
وما إلى ذلك إلى هنا بدأت تتكشف لي كفاءة الشيخ حمر العين اللغوية خاصة وقد تم اختياره رفقة
الشيخ القريشي مدني الذي لا تجهل منطقة سطيف مكانته العلمية في علوم اللغة العربية والفقه
والخطابة والإفتاء من خلال دوره الكبير الذي برز في مدرسة قجال ومسجدها منذ بداية الاستقلال
إلى أن وافته المنية سنة ألفين .
حلقات مصلى بير الحوكية :
أما عن باع الشيخ حمر العين الكبير في مختلف فروع الفقه المالكي وعلم الفرائض فقد عرفته
من خلال الدروس الفقهية التي كان يقدمها كل مساء في مصلى بير الحوكية رفقة الشيخ الخير
رحال الذي كان يقدم دروسا في التوحيد . لم يكتب لي أن أشهد حلقتيهما إلا مرة أو مرتين .
كان أغلب مريدي الشيخين حمر العين والخير رحال من المعلمين أذكر منهم السادة :
غجاتي المقداد - وساعد قرقوري - وزهير ثابت - والأستاذ المحامي عبد الفتاح مامي - ومحمد
الفاضل حمادوش - ونور الدين خمس - ومن العامة كان يحضر هذه الدروس الشيخ لخضر ذهبي
وغيره .
المدرس بمسجد الشيخ المقراني :
في ظروف أزمة التسعينيات من القرن العشرين وحصار المساجد وغلق المصليات من طرف الأمن
لم يقطع الشيخ حمر العين سلسلة دروسه ، فكان يقدمها في مقهى من المقاهي . وبعد انكشاف
الأزمة واصل دروسه في مسجد الشيخ المقراني حيث كان يؤدي الصلوات الخمس ويجلس فيه
بين الصلوات للإجابة على استفتاءات المواطنين الفقهية في مسائل العبادات والزواج والحلال
والحرام في الذبائح والمواريث وغيرها . كما كان يخرج مع من يطلبه لحضور جلسات عقود
الزواج أو الصلح المختلفة . وقد حصل لي الشرف أن حضرت معه جلسة صلح في حادث طريق
وقع ببلدة تينار . قدم من خلالها الشيخ حمر العين كلمة نصح فيها الحاضرين بأهمية الصلح ورأب
الصدع الذي عادة ما يحدث فيما بين الناس والعائلات بسبب حوادث الطرقات التي كثيرا ما تؤدي
إلى وقوع ضحايا من الكبار والصغار . كما لم ينس دعوة السائقين إلى الحذر والتعقل لتجنب
الوقوع في حوادث تقضى على أرواح بريئة .
وفي نفس المسجد أي مسجد الشيخ المقراني كان الشيخ حمر العين يستقبل مجموعة من الطلبة
يقدم لهم دروسا منتظمة في التوحيد وفقه العبادات والفرائض والنحو والصرف وغيرها من
المعارف الإسلامية . كانت مجموعة الطلبة تتكون من : بارشي عبد الحق - وكرموش خيرالدين
- وخالد شراقه - وعبد المجيد - والمقداد - ونصر الدين غربي - وعبد الحليم خطاب - وبوكراع
نبيل - وبلهوشات هشام ، وانضم إليهم في فترة من الفترات اللاحقة الشيخ المفتش خياري
وبوزيد خلفي والشيخ مصطفى بن حبيه وكان يحضر هذه الحلقات المباركة الأستاذ بوردين
بوجمعة والشيخ السعيد ضيافات . ظل الشيخ حمر العين على التزامه وحضوره مواظبا على تقديم
دروسه في مواعيدها إلى أن أقعده المرض الذي توفي به .
هذا ما عاينته شخصيا من جهود كان الشيخ محمد الصالح حمر العين يقدمها على طريقة الأقدمين
من منطلق إيمانه برسالة الإسلام التي تلزم أتباعها بأن يبلغوا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه
وآله وسلم ما أستودعوا من علوم ومواثيق إلى من بعدهم .
لم يكن يطلب من وراء عمله هذا جزاء ولا شكورا وإنما غايته رضا الله تعالى وإبراء لذمته يوم
يقوم الناس لرب العالمين . نأى الشيخ حمر العين بنفسه عن كل ما يخدش شخصيته كمعلم وفقيه
من التماس أجر مقابل ما كان يقدمه من دروس وفتاوى وعقود ، أو التماس الرقية وما إلى ذلك
مما يذهب بماء الوجه ويحط من مكانة العلم والعلماء .
حبه للزوايا وأهلها :
_ كان _ رحمه الله _ على خلق وتواضع وانفتاح على الناس ، يحب الزوايا وأهلها ويزورهم ،
كان دائم الزيارة لنا في قرية قجال لا تفوته صلاة العيدين بالمصلى المعروف بمقبرة قجال .
ولا يتوانى عن أداء الجمعة بمسجدها إذا توفرت له وسيلة النقل . يجلس معنا بعد الصلاة في زاوية
من زوايا المسجد أو في البيت المحاذي للمسجد . نتناول معا كسرة أو مطلوعا باللبن أو الحليب
مقدمة من بيت الشيخ . نتجاذب أطراف الحديث والدعابات وسوق الكلام على تعبير جريدة الخبر ،
بحضور الشيخ رابح عيادي وجدنا سيدي عبد الرحمن ، جلسات ممتعة لا تغيب عنها قرون شمة
الأنف تمتد إليها أيدي من يشمن ومن لا يشم .
كان _ رحمه الله _ يسأل عن أخبار أهل القرية وأحوالهم . وهل هناك مشروع لفتح الزاوية للتعليم
القرآني وتدريس الفقه واللغة العربية والعلوم الشرعية؟ كانت قضية فتح زاوية قجال من جديد ،
تشغله كثيرا، ودائم السؤال عنها، ويدافع عنها وعن أهلها.
وكان يقول لي :أن أمنيته أن يمد الله في عمره ويتمكن من فتح زاويتهم بمسقط رأسه بأولاد حمر
العين بالقرب من بني عزيز.
المدرسة التي ينتمي إليها:
_ الشيخ محمد الصالح بن حمر العين رجل صوفي يحب رجال التصوف وأهل الطرق ويزورهم
في مقارهم . وزواياهم في المناسبات الدينية المختلفة ، ويجلس إلى الذكر معهم في حلقاتهم .
ولا يرى أنهم أهل بدعة فيما يأتون من أذكار أو التماس القدوة والبركة في شيخ طريقتهم ، بل
إن أهل البدعة عنده هم هؤلاء الذين يقفزون على المذاهب الإسلامية المعتمدة . ويسفهون كل
ما تعارفت عليه الأمة ، وألفه الناس في عباداتهم وشعائرهم وأعيادهم التي لم تكن يوما خارج
القرآن والسنة ، ويدعون أنهم وحدهم أهل السنة وأنهم امتداد للسلف الصالح . وأن غيرهم على
بدعة وضلالة .
_ كان _ رحمه الله _ رغم كفاءته الفقهية واللغوية خارج دائرة الادعاء بما أتاه الله من علم
أو التطاول بكثرة الاستشهاد بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية وكان يقول : أنا لست من هؤلاء
الذين يتشدقون بمصطلحات : حديث صحيح ومشهور وضعيف وموضوع ، ويطلقون الأحاديث
النبوية بمناسبة وبغير مناسبة وما إلى ذلك . على خلاف كلي مع السلف والخلف الذين كان لا يتكلم
منهم في الحديث إلا عالم متخصص . وكان الإمام مالك يحيط جلسات أحاديث موطئه بهالة قدسية
عظيمة من وضوء على أحسن وجه وطهارة وبخور للمكان وكان يكره قراءة الحديث واقفا .
ثم يقول : وإنما أنا عندي حظ من علم أخذته عن شيوخ علماء أجلاء ورثة علم ونسب كابرا عن
كابر ،وثقت الأمة بعلمهم وإخلاصهم لله تعالى ، فسلمتهم مقاليدها في شؤون دينها دون سؤال
ولاشك و لا طعن مما ينتشر اليوم بيننا من طعن في العلماء وسب وشتم وقذف لم يطل العلماء
والرموز والمذاهب فحسب وإنما طال حتى الصحابة . وضع تسببت فيه هذه الجماعات التي تسمى
نفسها السلفية أو الوهابية أو الإخوانية أو التبليغية بقلة علمهم ، إن كان عندهم علم أصلا
وغرورهم وحمقهم ، وشارك فيها أشباه علماء من خلال دخولهم معترك الفتوى والتوجيه الديني
دون تأهيل ولا مؤهلات ولا سابقة من وراثة ولا تزكية من مشايخ مشهود لهم ولا مؤسسات
عريقة . وأضافوا إلى ذلك اقتحامهم المعترك السياسي بلا حدود ، وإخضاع الفتوى للتوجه
السياسي للنظام أو لمصالح شركات احتكارية دولية . وراح بعض أشباه العلماء يصدرون فتاوى
الفضائح والعار ويخرجون من كتب التراث ما شذ من مسائل الفقه الافتراضي ينشرونه في
الصحف والنت والفضائيات فحل البلاء بالبلاد والعباد ووقعت المصيبة في الدين التي تعوذ منها
الرسول صلى الله عليه و آله وسلم " و لا تجعل مصيبتنا في ديننا " .
نسبه :
ينتسب الشيخ محمد الصالح بن حمر العين إلى آل البيت وقد أراني شجرة نسبه مكتوبة بخط
مغربي مذهب ينتهي فيها نسبه إلى إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن
المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
نشأته وتعلمه :
ولد سنة 1926 بقرية أولاد حمر العين دائرة بن عزيز . كانت زاويتهم المسماة زاوية " العين "
هي التي احتضنته صغيرا حفظ فيها القرآن الكريم وأخذ عن شيوخها _ والده وعمه والشيخ علي
بن كسيرة وغيرهم _ مبادئ اللغة العربية والفقه المالكي . فلما بلغ أشده انتقل إلى إحدى زوايا
القبائل حيث تكون علميا وتربي روحيا على يد العلامة الشيخ امحمد بن سحنون وأخيه الشيخ
أحمد بن سحنون والشيخ البابوري .
كان الشيخ حمر العين كثيرا ما يتحدث عن عائلة بن سحنون ويذكر بإجلال وتقدير كبيرين الشيخ
امحمد بن سحنون ،ويقول : أنه هو الذي تولى تربيتي روحيا . بالإضافة إلى تكويني العلمي . وأنه
كان عالما جليلا مهاب الجانب فصيحا يتكلم بلسان عربي مبين إذا تكلم تحسبه قرشيا قذف به القدر
إلى زمننا .
وفاته :
توفي الشيخ محمد الصالح بن حمر العين يوم الأربعاء 27 رجب 1432 هـ الموافق ل 29 جوان
2011 ودفن بمقبرة سيدي الخير ، تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته .
بقلم الأستاذ الزبير حمادوش يوم 14 رمضان 1432 ه /14 أوت 2011